Forum - اهم الإنتفاضات الشعبية التي عرفها المغرب في العقود الأربعة

اهم الإنتفاضات الشعبية التي عرفها المغرب في العقود الأربعة

 




عرفت مدينة الدار البيضاء انتفاضة شعبية عارمة أيام 22 و23 و24 مارس 1965، كانت بمثابة إدانة جماهيرية صارخة ضد السياسات التي نهجها النظام المخزني منذ الاستقلال. وكانت الشرارة التي فجرت بارود الغضب الشعبي هي قرارات وزير التعليم آنذاك، يوسف بلعباس، عبر المذكرة الوزارية ليوم 19 فبراير 1965 والتي بموجبها يمنع كل الأطفال والشباب الذين يفوق سنهم 17 سنة من الالتحاق بالسلك الثاني، من التعليم الثانوي وبالتالي حرمانهم من اجتياز امتحان شهادة الباكلوريا. لقد كان هذا القرار طعنة حقيقية وجهها النظام المخزني من الخلف للجماهير الشعبية التي كانت تحلم بحقها المشروع في تعليم أبناء مغرب الاستقلال، ولقد تم التعبير عن ذلك بالإضرابات والمظاهرات الصاخبة التي عمت الثانويات في البداية، مثل ثانوية محمد الخامس وثانوية الخوارزمي وثانوية عبد الكريم لحلو وثانوية الأزهر، ثم تبعها نزول منظم إلى الشوارع، حيث التحقت بالشبيبة المدرسية الآلاف من المواطنات والمواطنين الغاضبين عبر صفوف طويلة وهي ترفع لافتات الإدانة وتردد شعارات الاستنكار ضد الطبقة الحاكمة ورموزها خصوصا بشارع الفداء ودرب الكبير وسباتة ودرب غلف والمدينة القديمة وغيرها، فتم استدعاء الجيش وباقي القوات العمومية وصدر القرار بإطلاق الرصاص الحي على الجماهير الشعبية، فسال الدم غزيرا (أكثر من 1000 شهيد وشهيدة). وتلتها حملة مطاردات واعتقالات واسعة، كما تلتها مخططات سياسية عدة، منها إعلان حالة الاستثناء في 7 يونيو 1965 وفتح مفاوضات مع الأحزاب الإصلاحية حول موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية واغتيال المهدي بنبركة يوم 29 أكتوبر 1965 بباريس .... وغيرها. كما تشكلت العديد من الأنوية الثورية، هذه الأنوية والخلايا هي التي ستقود نضالا نوعيا منذ نهاية الستينيات خصوصا بعد تشكل منظمات اليسار الجديد، ومن أشهرها: - منظمة 23 مارس، - منظمة إلى الأمام، - ثم، المجد والخلود لشهداء شعبنا. واندلعت الشرارة الأولى للانتفاضة في أجواء مشحونة على كافة المستويات. فمن الناحية السياسية، بدأ المغاربة يلمسون لا وطنية النظام المخزني بعد الاستقلال من خلال قبوله شروط فرنسا في مفاوضات إيكس ليبان، حيث تم التفريط في السيادة الوطنية من خلال بقاء أطراف واسعة من التراب الوطني مستعمرة وبقاء القواعد العسكرية الأجنبية وقمع جيش التحرير بالجنوب وقمع ثورة الريف بالشمال في الوقت الذي عمل فيه النظام على تثبيت أركانه وتوطيد سلطته وبناء قواته من جيش وشرطة ومخابرات. أما على المستوى الاقتصادي، فقد تميزت هذه المرحلة بتزايد النفوذ المالي الفرنسي عبر القروض، حيث تشير معطيات ميزانية 65 إلى أن ثلث الدخل الوطني كان مخصصا لنفقات تسيير أجهزة الدولة، كما قفزت مديونية الخزينة العامة من 70 إلى 156 مليار فرنك بين 1960 و1964 . وفي القطاع الفلاحي، عمل النظام على عرقلة أي إصلاح زراعي حقيقي. وبالمقابل، عمل الحكم على توسيع قاعدته الاجتماعية والطبقية عبر توزيع الأراضي المسترجعة على المعمرين الجدد المغاربة وحرمان أصحابها الشرعيين منها، وبالتالي تصاعدت وتيرة الهجرة القروية نحو المدن، أما في القطاع الصناعي، فقد استمرت هيمنة الأمبريالية الفرنسية في مختلف الوحدات الصناعية مع نمو طفيف لبعض الصناعات خاصة منها النسيج والصناعات المرتبطة باستخراج المعادن وتصديرها. هذه الأوضاع الاقتصادية والسياسية ستكون لها انعكاسات خطيرة على المستوى الاجتماعي، حيث تميزت بداية الستينيات بإرساء نظام القمع السياسي والفساد والرشوة والاغتناء السريع والاستفادة من المناصب العليا بالنسبة للأقلية المحظوظة، بينما عانت الجماهير الشعبية من نزع أراضيها ومن البطالة ومن الاستغلال البشع بالمصانع والمناجم، فتوسعت أحزمة البؤس والفقر حول المدن الكبرى وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية والحرمان من الخدمات الاجتماعية، وكذلك بدأت الجماهير الشعبية تدرك حقيقية الاستقلال والشعارات الرنانة التي ترفعها الطبقة الحاكمة، فساد شعور بالإحباط والإحساس بالخيانة.

1981: انتفاضة الخبز 

جاءت أحداث 20 يونيو 1981 نتيجة إعلان الحكومة عن زيادات مهولة في أثمان المواد الأساسية بالنسبة لمعيشة المواطنين، ومواجهة الحركة النقابية العمالية لهذا الإجراء اللاشعبي بإعلان الإضراب يومي 18 و20 يونيو وإصرار السلطات على تكسير الإضراب العام ليوم 20 يونيو بجميع الوسائل التعسفية بما فيها العنف وإطلاق الرصاص الحي على المضربين والمحتجين. وقد خلف التدخل العنيف لمختلف مصالح الشرطة وللقوات المساعدة والدرك الملكي والجيش الملكي مئات القتلى بالرصاص أو نتيجة اختناقهم بسبب الاكتظاظ في مكان احتجازهم. وقد تم دفن مجموع القتلى في مقابر جماعية أو فردية مجهولة بالنسبة للمواطنين. كما تم اعتقال العديد من المناضلين والقادة النقابيين المنتمين، آنذاك، للكونفدرالية الديموقراطية للشغل. وتم كذلك اعتقال المئات من المواطنين بسبب مشاركتهم في المظاهرات أو حتى دون مشاركة فيها. وتم تقديم الجميع لمحاكمات صورية أصدرت أحكاما جائرة وصلت إلى 20 سنة سجنا نافذا

1984انتفاضة الجوع 

في سنة 1984، دخل الريف في صراع غير متكافئ مع الجيش الملكي، بعد أن حدث ذلك أول مرة سنة 1959 حين نزل قرابة 20.000 جندي مغربي بمنطقة الحسيمة ودخلوا في مواجهات مع أبناء المنطقة، لكن الغلبة في النهاية كانت للجيش الملكي الذي استعان بالطائرات الحربية التي وفرتها له القوات الأمريكية والفرنسية المتواجدة بالمغرب. أما عن الجيش، فقد مارس أشنع ما يمكن أن يمارس من جرائم حرب في حق المواطنين العزل من اغتصاب للنساء أمام أهل بيتهن، وبقر لبطون الحوامل، وذبح للمواطنين. ووضع للقنابل اليدوية في جلابيب المواطنين، كل ذلك تم بحضرة الحسن الثاني وبأمر منه، وهو نفسه اعترف بذلك في الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد 22 يناير 1984 حين قال: «و سكان الشمال يعرفون ولي العهد، ومن الأحسن ألا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب». أما المواجهة الثانية، فقد كانت في يناير 1984، ومنطلقاتها اختلفت بشكل كبير عن منطلقات انتفاضة 1958-1959، وهذه الانتفاضة يطلق عليها «انتفاضة الجوع» في إشارة واضحة إلى أن أهدافها اقتصادية بحتة على عكس انتفاضة 1958-1959 التي أطلق عليها «ثورة الجلاء» والتي رفعت مطالب سياسية شاملة، أهمها جلاء القوات الفرنسية والأسبانية والأمريكية. في تلك الفترة، عرف المغرب أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، فعدد السكان قدر حينها بحوالي 21 مليون نسمة ، 84 % منها تعيش في البوادي حيث لا يتوفر لديها الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية، أما النسبة الباقية المتواجدة بالمدن فهي غارقة في البطالة. وسوء الوضع الاقتصادي الذي تميز بإفلاس المغرب الذي بلغت ديونه الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار. هذا الوضع المزري أدى بالمغرب إلى الخضوع لتوجيهات صندوق النقد الدولي المتمثلة في تبني سياسة التقويم الهيكلي المرتكزة على سياسة التقشف والتي أدت إلى فرض مجموعة من الإجراءات التي أجهز من خلالها على مجموعة من المكتسبات في مجموعة من القطاعات، من بينها التعليم والصحة والشغل. ومنذ ذلك، عرفت أثمنة المواد الأساسية ارتفاعا كبيرا. أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل. إلا أن إقليم الناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، والذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلا أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول إلى مليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984، حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، وهو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم. هذا الوضع هو الذي أدى في النهاية إلى تفجير الانتفاضة، بعد أن اتحد جميع المواطنين ضد هذه السياسة، حيث نزلت الجماهير الشعبية إلى الشوارع في مسيرات ألفية في مجموعة من أهم المدن، منها الحسيمة والناظور وتطوان والقصر الكبير ومراكش ووجدة. وكانت البداية عبارة عن احتجاجات تلاميذية داخل أسوار الثانويات بالحسيمة، لكن هجوم السلطات على هذه المؤسسات أدى بالمواطنين إلى أن يتضامنوا معها، فانتقلت إلى الشارع وتطور شكلها من مجرد احتجاجات تلاميذية على الزيادات في رسوم التسجيل إلى مظاهرات ألفية ضد سياسة التقويم الهيكلي برمته، شاركت فيها مختلف فئات المجتمع. لكن حدث فجأة ما عكر جو هذه الاحتجاجات في الناظور ، وذلك حين انخرط فيها بعض الفوضويين من أبناء المنطقة الذين أخذوا يحرقون السيارات ويسرقون المحلات التجارية والبنوك ويعتدون على أملاك الغير. بعد ذلك وفي نفس يوم هذه المظاهرة، حدث إنزال عسكري قوي بالمنطقة دبابات ومروحيات ومظليون، حينها بدأ القصف بشكل كثيف وعشوائي تجاه المواطنين. أما في ما يتعلق بالمحاكمات، فقد تميزت بتوجيهها من طرف النظام، حيث حوكمت مجموعة كبيرة من المتهمين بمدة وصلت إلى عشر سنوات سجنا نافذا، وما تجب الإشارة إليه هو أنها طالت كذلك طفلا لم يتجاوز عمره حينها 15 سنة

1990: العصيان الشعبي 

جاء ذلك الإضراب والعصيان الشعبي في سياق سياسي مطبوع ببداية تململ المعارضة البرجوازية من أجل تحسين موقعها في الآلية السياسية للحكم الذي ما فتئ يعدها بذلك، بينما كان يواصل تنكيله باليسار الجذري بغية استئصاله، حيث ألقى بكوادر منظمة إلى الأمام ومناضليها في السجون بعد موجات القمع المتلاحقة منذ 1984. ففي ماي 89 الذي شهد عدة حالات نسف بيروقراطي للمعارك النقابية، لوح كاتب عام كدش بإمكانية اللجوء إلى الإضراب العام... طبعا من أجل فرض تطبيق فهمه للسلم الاجتماعي. غير أن هذا التنبيه لم يجد آذانا صاغية لدى برجوازية لا تخفى عليها حالة وزن النقابات. فامتد صبر القيادة النقابية تسعة أشهر أخرى انتظارا لغمزة تفاهم رأس المال، قامت بعدها ببعث إشارة تنبيه إضافية إثر اجتماع الهيئة التقريرية للنقابة في فبراير 1990 بالإعلان عن كون هذه الهيئة اتخذت قرارا «سيفصح عنه في الوقت المناسب». ولممارسة ضغط أقوى تمت الدعوة إلى تجمعات بمقرات النقابة سميت بالتعبئة، لقيت تجاوبا ضعيفا وأُشير إلى احتمال اللجوء إلى اضرابات قطاعية أو إضراب عام بالبيضاء (أهم مركز صناعي وسكاني) أو حتى إضراب عام على صعيد البلد. ولأن الهدف من هذا كله لم يكن سوى اجتذاب الحكومة إلى «الحوار»، فإنه لم يواكب بحملة إعلامية في صحافة الحزب الذي يرعى النقابة كما سيكون عليه الأمر لاحقا. وستترك النقابة مهلة شهرين للحكومة، لكن هذه لم تعر أدنى اهتمام للثرثرة، مما اضطر القيادة النقابية إلى أن تعلن في 7 أبريل قرار الدعوة إلى إضراب عام يوم 19 أبريل. وبالنظر إلى ضعف النقابة وضيق مدى تأثيرها، تولت صحافة الحزب مهمة إيصال دعوة الإضراب إلى الجماهير، مخصصة لذلك عناوين بارزة، وفاجأت هذه الجماهير العمالية وعموم الكادحين وأيقظت توقهم إلى تحرك جماعي وأملهم في تحسين أوضاعهم. لكن هذا الأمل سيخيب بعد أسبوع فقط، إذ بقرار فوقي ألغت القيادة قرار الإضراب العام بعد لقاءات مع الحكومة أوهمتها هذه الأخيرة خلالها بأنها بلغت مبتغاها: ما تسميه بالحوار. ناورت الحكومة فنزعت فتيل السخط الجماهيري وعادت القيادة النقابية من حوارها خاوية الوفاض إلاّ من الوعود والتعهدات التي لن ترى النور. حينئذ، لم يبق سوى اللجوء إلى تبرير التراجع بكل ما أمكن من ذرائع. بعد نصف سنة، عادت «كدش» تدعو إلى الإضراب العام والتحق بها الاتحاد العام للشغالين بعد شهر ونصف من ذلك، كان خلالها موضوع الإضراب محط مداولة ليس في قاعدة تلك النقابة بل داخل قيادة حزب الاستقلال التي قررت المشاركة وتعبئة الحزب والمنظمات التابعة له (شباب- نساء- تجار صغار..). فانعقد المجلس الوطني للاتحاد العام للشغالين برئاسة الدويري (رجل أعمال ومال ووزير سابق وثاني قائد لحزب الاستقلال ومؤسس الاتحاد العام للشغالين وعضو أول لجنة إدارية له) دون حاجة إلى تمويه الطابع الفوقي والحزبي لقرار المشاركة في الإضراب. وبعد أن ذكر الدويري بمهادنة حزبه للحكم بمبرر قضية الصحراء، أكد أن «مصلحة البلاد تقتضي إضرابا عاما». لكن السياق العام وضعف النقابيين وما خلفته سيرورة التخبط التي مر منها الإضراب، كلها عناصر لا تشير إلى إمكانية الاستجابة الواسعة للدعوة الجديدة، مما استوجب استنفار كل الوسائل والقوى المرتبطة بالحزبين، فالتحقت نقابتا التجار الصغار والمتوسطين وسيارات الأجرة ومدرسو التعليم العالي، وهي فئات يتفاوت تضررها من الوضع القائم، لكنها ضعيفة التنظيم باستثناء الجامعيين.
 


Votre Commentaire